فصل: فصل (في استدلال من يقدح في عصمة الأنبياء بهذه الآية):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فالجواب أن التوبيخ وقع أوّلًا لحرصهم على أخذ الفداء، ثم وقع التخيير بعد ذلك.
ومما يدلّ على ذلك أن المِقداد قال حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل عُقبة بن أبي مُعَيط: أسيري يا رسول الله.
وقال مُصعب بن عُمير للذي أسر أخاه: شُدّ عليه يدك، فإن له أمًّا موسرة.
إلى غير ذلك من قصصهم وحرصهم على أخذ الفداء.
فلما تحصّل الأسارى وسِيقوا إلى المدينة وأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم القتلَ في النّضر وعقبةَ وغيرِهما وجعل يرتئي في سائرهم نزل التخيير من الله عزّ وجلّ؛ فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حينئذ، فمرّ عمر على أوّل رأيه في القتل، ورأى أبو بكر المصلحة في قوة المسلمين بمال الفداء.
ومال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رأي أبي بكر. وكلا الرأيين اجتهاد بعد تخيير. فلم ينزل بعدُ على هذا شيء من تعنيت. والله أعلم.
الخامسة قال ابن وهب: قال مالك كان ببدر أسارى مشركون فأنزل الله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى حتى يُثْخِنَ فِي الأرض}.
وكانوا يومئذ مشركين وفادَوْا ورجعوا، ولو كانوا مسلمين لأقاموا ولم يرجعوا.
وكان عِدّة من قُتل منهم أربعة وأربعين رجلًا؛ ومثلهم أسِروا.
وكان الشهداء قليلًا.
وقال عمرو بن العلاء: إن القتلى كانوا سبعين، والأسرى كذلك.
وكذلك قال ابن عباس وابن المسيِّب وغيرهم.
وهو الصحيح كما في صحيح مسلم؛ فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين.
وذكر البَيْهَقِيّ قالوا: فجيء بالأسارى وعليهم شُقْران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم تسعة وأربعون رجلًا الذين أُحصوا، وهم سبعون في الأصل، مُجْتَمَع عليه لا شك فيه.
قال ابن العربيّ: إنما قال مالك وكانوا مشركين لأن المفسرين رووا أن العباس قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إني مسلم.
وفي رواية أن الأسارى قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: آمنا بك.
وهذا كله ضعّفه مالك، واحتج على إبطاله بما ذكر من رجوعهم وزيادة عليه أنهم غَزوه في أُحد.
قال أبو عمر بن عبد البر: اختلفوا في وقت إسلام العباس؛ فقيل: أسلم قبل يوم بدر؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «من لَقِيَ العباس فلا يقتله فإنما أخرج كرهًا» وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: «إن أُناسًا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهًا لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحدًا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقِي أبا الْبَخْتَرِيّ فلا يقتله ومن لقي العباس فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرهًا» وذكر الحديث.
وذكر أنه أسلم حين أسر يوم بدر.
وذكر أنه أسلم عام خيبر، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأخبار المشركين، وكان يحب أن يهاجر فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امكث بمكة فمقامك بها أنفع لنا». اهـ.

.قال الثعالبي:

قوله سبحانه: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى...} الآية:
قال ع: هذه آية تتضمَّن عندي معاتَبةً مِنَ اللَّه عزَّ وجلَّ لأصحاب نبيِّه عليه السلام والمعنى: ما كان ينبغي لكُمْ أَنْ تفعلوا هذا الفعْلَ الذي أوْجَبَ أن يكون للنبيِّ أَسْرَى قبل الإِثخان؛ ولذلك استمرَّ الخطابُ لهم ب {تُرِيدُونَ} والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر باستبقاء الرِّجَالِ وقْتَ الحَرْبِ، ولا أراد صلى الله عليه وسلم قَطُّ عَرَضَ الدنيا، وإِنما فعله جمهورُ مُبَاشِرِي الحَرْبِ، وجاء ذكْرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الآية؛ مشيرًا إِلى دخوله عليه السلام في العَتْبِ؛ حين لم يَنْهَ عن ذلك حين رآه من العَرِيشِ، وأنْكَره سعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، ولكَنَّه صلى الله عليه وسلم شَغَلَهُ بَغْتُ الأمر، وظهورُ النصر؛ عن النهْي ومَرَّ كثيرٌ من المفسِّرين؛ على أنَّ هذا التوبيخَ إنما كان بسبب إشارة مَنْ أشار على النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ بأخذ الفدْيَةِ، حين استشارهم في شأن الأَسرَى، والتأويل الأول أَحْسَنُ، والإِثخانُ: هو المبالغةُ في القَتْل والجراحةِ، ثم أمر مخاطبة أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا}، أي: مالها الذي يعز وَيَعْرِضُ، والمراد: ما أُخِذَ من الأسرى من الأموال، {والله يُرِيدُ الأخرة}، أيْ: عمل الآخرة، وذكَر الطبريُّ وغيره؛ أن رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلنَّاس: «إِنْ شِئْتُمْ، أَخَذْتُمْ فِدَاءَ الأسرى، وَيُقْتَلُ مِنْكُمْ في الحَرْبِ سَبْعُونَ على عَدَدِهِمْ، وإِنْ شِئْتُمْ، قُتِلُوا وَسَلِمْتُمْ»، فَقَالُوا: نَأْخُذُ المَالَ، وَيُسْتَشْهَدُ مِنَّا، وذكر عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بسنده؛ أَنَّ جبريلَ نَزَلَ عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بتخْيِيرِ النَّاسِ هكذا؛ وعَلَى هذا، فالأمر في هذا التخيير مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فإِنه إِعلامٌ بغيب، وإِذا خُيِّروا رضي اللَّه عنهم، فكيف يقع التوبيخُ بعدُ بقوله تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؛ فهذا يدُّلك على صحَّة ما قدَّمناه، أنَّ العتب لهم إِنما هو على استبقاءِ الرجالِ وقْتَ الهزيمةِ؛ رغبةً في أخْذ المال، وهو الذي أقولُ به، وذكر المفسِّرون أيضًا في هذه الآيات تحليلَ المَغَانِمِ، ولا أَقولُ ذلك؛ لأن تحليل المغانم قد تقدَّم قبْل بَدْرٍ في السَّرِيَّة التي قُتِلَ فيها ابْنُ الحَضْرَمِيِّ، وإِنما المُبْتَدَعُ في بَدْرٍ استبقاء الرِّجَال؛ لأجل المال، والذي مَنَّ اللَّه به فيها: إِلحاق فدية الكافر بالمغانمِ التي تقدَّم تحليلها، وقوله سبحانه: {لَّوْلاَ كتاب مِّنَ الله سَبَقَ...} الآية: قال ابن عبَّاس، وأبو هريرة، والحَسَن، وغيرهم: الكِتَابُ: هو ما كان اللَّه قَضَاهُ في الأَزَلِ مِنْ إِحلالِ الغنائمِ والفداءِ لهذه الأمة، وقال مجاهد وغيره: الكتابُ السابق: مغفرةُ اللَّهِ لأهْلِ بدر، وقيل: الكتاب السابقُ: هو ألاَّ يعذب اللَّه أحدًا بذَنْبٍ إِلا بعد النَّهْيِ عنه، حكاه الطبريُّ.
قال ابنُ العربيِّ في أحكام القُرآن: وهذه الأقوالُ كلُّها صحيحةٌ ممكنَةٌ، لكن أقواها ما سبق مِنْ إِحلال الغنيمة، وقد كانوا غَنِمُوا أوَّلَ غنيمةٍ في الإِسلام حينَ أرسل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّه بْنَ جَحْش. انتهى، ورُوِيَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ نَزَلَ في هَذَا الأَمْرِ عَذَابٌ، لَنَجَا مِنْهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب»، وفي حديث آخر: «وسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ»؛ وذلك أن رأيهما كان أنْ تُقْتَلَ الأَسْرَى. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى} روي عن عبد الله ابن مسعود قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولن في هؤلاء فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم وخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار.
وقال عمر: يا رسول الله كذبوك وأخرجوك فدعهم نضرب أعناقهم مكن عليًا من عقيل فيضرب عنقه ومكن حمزة من العباس فيضرب عنقه، ومكني من فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر واديًا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم نارًا فقال له العباس: قطعت رحمك فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم ثم دخل فقال: ناس يأخذ بقول أبي بكر وقال ناس يأخذ بقول عمر وقال ناس يأخذ بقول ابن رواحة ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ويشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال: فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني فإنك غفور رحيم ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ومثلك يا عمر مثل نوح قال: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا ومثلك يا عبد الله بن رواحة كمثل موسى قال: ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم».
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليوم أنتم عالة فلن يفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق» قال عبد الله بن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي الحجارة من السماء من ذلك اليوم» حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا سهيل بن بيضاء.
قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب: فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدان يبكيان فقلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكتي وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبكي على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم» فأنزل الله عليه: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} الآية خرج هذا الحديث الترمذي مختصرًا وقال: في الحديث قصة وهي هذه القصة التي ذكرها البغوي.
وأخرج مسلم في إفراده من حديث عمر بن الخطاب قال ابن عباس: لما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر: يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأذخهم منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب قال قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم فتمكن عليًا من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه وتمكنني من فلان- نسب لعمر- فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبكي على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم» فأنزل الله: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} إلى قوله: {فكلوا مما غنمتم حلالًا طيبًا} فأحل الله الغنيمة لهم ذكره الحميدي في مسنده عن عمر بن الخطاب من إفراد مسلم بزيادة فيه.
أما تفسير الآية، فقوله تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى} يعني ما كان ينبغي ولا يجب لنبي.
وقال أبو عبيدة: معناه لم يكن لنبي ذلك فلا يكون لك يا محمد والمعنى ما كان لنبي أن يحبس كافرًا قدر عليه وصار في يده أسيرًا للفداء والمن، والأسرى جمع أسير وأسارى جمع الجمع {حتى يثخن في الأرض} الإثخان في كل شيء عبارة عن قوته وشدته.
يقال: أثخنه المرض إذ اشتدت قوته عليه والمعنى حتى يبالغ في قتال المشركين ويغلبهم ويقهرهم فإذا حصل ذلك فله أن يقدم على الأسر فيأسر الأسارى {تريدون عرض الدنيا} الخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعني تريدون أيها المؤمنون عرض الدنيا بأخذكم الفداء من المشركين وإنما سمى منافع الدنيا عرضا لأنه لا ثبات لها ولا دوام فكأنها تعرض ثم تزول بخلاف منافع الآخرة لإنها دائمة الانقطاع لها، وقوله سبحانه وتعالى: {والله يريد الآخرة} يعني انه سبحانه وتعالى يريد لكم ثواب الآخرة بقهركم المشركين ونصركم الدين لأنها دائمة بلا زوال ولا انقطاع {والله عزيز} لا يقهر ولا يغلب {حكيم} يعني في تدبير مصالح عباده.
قال ابن عباس: كان ذلك يوم بدر والمؤمنون يومئذ قليل فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله سبحانه وتعالى في الأسارى فأما منًا بعد وإما فداء فجعل الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالخيار إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوهم وإن شاءوا أعتقوهم.
قال الإمام فخر الدين: إن هذا الكلام يوهم أن قوله فأما منًا بعد وإما فداء يزيل حكم الآية التي نحن في تفسيرها وليس الامر كذلك لأن كلتا الآيتين متوافقتان وكلتاهما تدلان على أنه لابد من تقديم الإثخان ثم بعده أخذ الفداء.
قال العلماء: كان الفداء لكل أسير أربعين أوقية والأوقية أربعون درهمًا فيكون مجموع ذلك ألفًا وستمائة درهم.
وقال قتادة: كان الفداء يومئذ لكل أسير أربعة ألاف درهم.

.فصل [في استدلال من يقدح في عصمة الأنبياء بهذه الآية]:

قد استدل بهذه الآية من يقدح في عصمة الأنبياء.
وبيانه من وجوه:
الأول: أن قوله ما كان لنبي أن يكون له أسرى صريح في النهي عن أخذ الأسارى وقد وجد ذلك يوم بدر.
الوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقومه بقتل المشركين يوم بدر فلما لم يقتلوهم بل أسروهم دل ذلك على صدور الذنب منهم.
الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأخذ الفداء وهو محرم وذلك ذنب.
الوجه الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قعدا يبكيان لأجل أخذ الفداء وخوف العذاب وقرب نزوله.
والجواب عن الوجه الأول: أن قوله سبحانه وتعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} يدل على أنه كان الأسر مشروعًا ولكن بشرط الإثخان في الأرض وقد حصل لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قتلوا يوم بدر سبعين رجلًا من عظماء المشركين وصناديدهم وأسروا سبعين وليس من شرط الإثخان في الأرض قتل جميع الناس فدلت الآية على جواز الأسر بعد الإثخان وقد حصل.
والجواب عن الوجه الثاني: أن الأمر بالقتل إنما كان مختصًا بالصحابة لإجماع المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بمشارة قتال الكفار بنفسه وإذا ثبت أن الأمر بالقتل كان مختصًا بالصحابة كان الذنب صادرًا منهم لا من النبي صلى الله عليه وسلم.
والجواب عن الوجه الثالث: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأخذ الفداء وهو محرم فنقول لا نسلم أن أخذ الفداء كان محرمًا وأما قوله سبحانه وتعالى: {تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة} ففيه عتاب لطيف على أخذ الفداء من الأسارى والمبادرة إليه ولا يدل على تحريم الفداء إذ لو كان حرامًا في علم الله لمنعهم من أخذه مطلقًا.
والجواب عن الوجه الرابع: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قعدا يبكيان يحتمل أن يكون لأجل أن بعض الصحابة لما خالف الأمر بالقتل واستغل بالأسر استوجب بذلك الفعل العذاب فبكى النبي صلى الله عليه وسلم خوفًا وإشفاقًا من نزول العذاب عليهم بسبب ذلك الفعل وهو الأسر وأخذ الفداء والله أعلم. اهـ.